![](https://www.global-mag.com/wp-content/uploads/2023/03/صالح-ناصر-الصالح-3.jpg)
وجهة نظر
يكتبها : صالح ناصر الصالح
يحل علينا كل عام الضيف العزيز الكريم شهر الصوم وهو الشهر المبارك الذي يمنحنا الله تعالي فيه النفحات والمكافآت والتكريم وتأتي هذه المكافآت على قدر الاجتهاد والعمل والسعي ولذا تزداد الحوافز والأجور بقدر تعزيز الروح والسمو بها في العبادات ومنها الصلاة والذكر وتلاوة القرآن الكريم والتعبد ليلا بصلاة القيام والتهجد ليلاً والتمسك بغض البصر وشحذ الهمم للعبادة لذا من تزود بالصالحات فاز الجائزات والنفحات والتكريم لأن الشهر الكريم جاء لصيانة الجسم والروح معاً .
ولاشك أن البعض يعتبر أن رمضان شهر التراخي والنوم والكسل، رغم أن ذلك يتنافى مع قواعد العقل وأدلة الشرع، ومن ثم يتخففون من العبادة والعمل، ليخلدوا إلى الراحة ويتفرغون للهو والمسليات ومتابعة الهواتف والبرامج والمسلسلات إلخ ، وتلك هي الكارثة التي تتعارض مع ضوابط وشروط العمل للحصول على الجزاء .
وهنا أحذر الأخوة الصائمون من التأفف خلال اداء العمل الوظيفي أو البيع والشراء أو قضاء اي عمل وأن يضقوا ذرعاً بمن حولهم ومن يتعاملون معهم بحجة أنهم صائمون .. هذا الشهرخصص للعبادة والصيانة وهو فرصة تتضاعف فيها الأعمال وتشحن فيها الهمم، ويزداد فيها الإيمان، ويتزود فيها المسلم لباقي العام، “وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى” (البقرة: 197 لذا يجب أن تقول اللهم إني صائم عندما تجد نفسك أمام موقف لا يروق لك أو غير مألوف شرعاً ، واحذروا اللهو والنوم والعبث والنوم الطويل حتى يمر الوقت وينقضي الشهر دون أن يشعر بألم الجوع أو مرارة العطش وهنا يكون الصائم قد خسر الكثير من الأجر وقد يفقد المنح والمكافآت لإهماله وتضييعه للوقت دون اكتراث للصوم وضوابطه
إن البعض منا يفطر بحجة أن الصيام يضعف الإنتاج، يقول الشيخ محمد الغزالي ساخرًا ومستنكرًا وقاحةَ الذين يفطرون بحجة ضعف الإنتاج: “ويفطر أحدهم في رمضان ويأمر الآخرين بالفطر، ويضع قدمًا على أخرى في مكتبه، وهو يهتك حرمة الشهر، ويشرب القهوة والدخان، لكن لماذا يفعل ذلك، وقد قال الله: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ”. لا.. إن هذا الصوم يضعف الإنتاج، ونحن في عصر يتطلب المزيد منه”. وما من شك في أن هذا الفريق أو ذاك لا يمثل المنهاج الإسلامي الصحيح، ولا يحقق أيٌّ منهما ما شُرع له الصوم من مقاصد وحكم وغايات، وهما بعيدان كل البعد عن الوسطية والاعتدال اللذين تميزت بهما الشريعة الإسلامية والأمة الإسلامية في غير طغيان ولا إخسار
إن البعض منا هم الذين حوَّلوا هذا الشهر إلى شهر كسل وتراخٍ بما يسهرونه من الليل وينامونه من النهار، ولو أنهم صاموا حق الصيام، وتحرَّوا الوصول إلى مقاصد الصيام العظيمة لتحقق للأمة في هذا الشهر من الكفاية الإنتاجية ما يكفيها باقي السنة.. صحيح أن الصوم يضعف البدن، لكنه يقوِّي العزم، ويشدُّ الظهر، ويعوِّد الصبر، ويربِّي المؤمن على طول التحمل وقوة الإرادة. وذلك لأن المعدة تخلو مما يثقل البدن ويرهقه، فتنطلق الروح ويسعد القلب ويرقى؛
وفي هذا الإطار نفهم حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه”. أوهام فاسدة لم يبق من حجة لهذه الأوهام الفاسدة والعادات السيئة التي تذهب بأجر الصيام، وتجعل الصيام لا يحقق مقاصده مع هذه السلوكيات الفاسدة بعد أن اتضح من منهج القرآن ومنهج الرسول ـ عليه السلام ـ والتاريخ والواقع أننا نحن الذين صنعنا هذه الترهات التي لا حقيقة لها، ولا دليل عليها من عقل أو شرع.
يبقى على المسلم أن يعود لخالص دينه، ويعمل جاهدا على تحقيق المعاني السامية للصيام؛ حتى تعود على النفس والعقل والبدن ثمراته، وتتحقق فيه مقاصده كما أراد الله، فيحرص على وقته ـ والوقت هو الحياة ـ ولا يصرف جزءا منه في غير فائدة، وينام مبكرا، وإن استطاع القيلولة فحسن. وليعلم أن العمل مع الصيام يزيد ثواب الصائم، ويرفع من قيمة العمل وأجره يوم الحساب، وليحذر شياطين الجن والإنس حتى لا يمر الشهر وينفض السوق ويخرج منه المسلم خاسراً فاقدا للمكرمة والمنحة الألهية