اخبار محلية

الجمعية الاقتصادية الكويتية تكشف رأيها في برنامج عمل الحكومة الجديدة

والحساب الختامي للإدارة المالية للدولة عن السنة المالية 2022/2023

الكويت – غلوبل  – 

ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)

الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة عن السنة المالية 2022/2023
بعد عام 2008 الذي كان أسوء الأزمات الاقتصادية كساداً أرجعت التاريخ لأعوام الكساد العظيم الذي ضرب العالم دخلت الكويت في مرحلة رواج كبير ونماء في المالية العامة بفوائض ضخمة جراء ارتفاع أسعار النفط، ولكننا لم نحسن استغلال الفرص ولم نحسن إدارة الموارد.

وفي عام 2021 ومع دخول الأزمة الصحية العالمية عامها الثالث وظهور عدد من المشكلات الاقتصادية على السطح بات واضحاً عدم وضع أي حلول جذرية أو تغير في النهج لدى الحكومة في التعامل مع القضايا المتجذرة والاختلالات في اقتصاد البلد ولم نستفد من وقت الرواج والطبقة العازلة التي كوناها أوقات ارتفاع النفط، بل أن الحكومة عودتنا على سياسية الدخول في خندق حتى مُضي السحابة ومن ثم العودة إلى عادتها القديمة.
لذلك الآن في هذه السنة المالية عادت الميزانية العامة إلى زمن الفوائض المالية بعد تقريباً 10 سنوات عجاف تسجلت فيها العجوزات واستبيح فيها المال العام وسجلت تلك الفترة أرقام قياسية في تجاوزات الأموال العامة. واحتلت الكويت على إثره المرتبة رقم ـ57 بين 191 دولة في تقرير جدول الرابطة الاقتصادية العالمية 2023 الصادر عن مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال «سيبر» البريطاني، لكنه توقع أن تنتقل الكويت بين عامي 2022 و2037 من المركز الـ57 إلى المركز الـ63 في الجدول، أي بانخفاض ستة مراكز في الترتيب ونعزي هذا التراجع للهدر الصارخ في الميزانية الذي يجب أن يعالج وأشارت له الجمعية في بياناتها السابقة وكذلك للحرق الممنهج لأي فائض مالي خلال آخر 10 سنوات.
نرى في الجمعية الاقتصادية الكويتية بأن الوضع المالي الأساسي أفضل في ظل ارتباط نحو نصف زيادة النفقات ببنود استثنائية غير متكررة (مبالغ متأخرة لسداد فواتير الكهرباء، ودعوم الوقود وبدل إجازات الموظفين) وارتفاع أسعار النفط مقارنة بتوقعات الميزانية.

وعلى جملة التقارير الصادرة تذهب الجمعية إلى أنه وعلى الرغم من تحسن الوضع المالي بمؤشرات جيدة ولكنها بطيئة، لكن تبقى نقاط الضعف الهيكلية لا تزال قائمة، بما في ذلك التنويع المحدود للإيرادات والميزانية التي تسيطر عليها بشكل كبير الأجور والإعانات (80% من إجمالي النفقات)، ويعني هذا أنه عندما ينطلق برنامج التنويع الاقتصادي الذي يعتمد بكثافة على الإنفاق الرأسمالي الحكومي، فإن الإنفاق العام سيشهد مزيدا من الارتفاع. صحيح بأن الجهود الكبيرة التي بذلت من الدول العظمى في تحويل الطلب على النفط إلى الطاقة المتجددة كانت كبيرة منذ سنة 2010 ولكنها لم تنجح بأن تقلل الاستهلاك على النفط بأكثر من 5%، وهذا يجعل فرص الإصلاح الاقتصادي المنشود بتنوع مصادر الدخل حاجة ملحة.

الثروة النفطية كما وصفها عدة مختصين هي ثروة أُصول موجودة تحت الأرض، واستخراجها ينبغي أن يكون فيه قيمة مضافة (ليس فقط لسد المصروفات)، فالإيراد النفطي يجب استخدامه في استثمار يولد فائدة أكثر من بقاءه تحت الأرض، وأهمها الاستثمار في البلد (بنية تحتية) والاستثمار البشري والمالي، وهذا ما فعله مؤسسوا الدولة الحديثة عندما ننظر للماضي القريب. هذا بحد ذاته يعد تنوع لمصادر الدخل في ذلك الوقت، ولكن بعد قرابة 50 عام من إنشاء الصندوق بمرسوم رقم 106 لسنة 1976 أصبح ملحاً أن نذهب إلى أبعد من هذا التنوع إلى أمور تضمن ” لشعبنا كرامته وعزته في يومه وغده” كما جاء في صدر قانون إنشاء احتياطي الأجيال القادمة.

برنامج عمل الحكومة الجديدة 

آثرنا في الجمعية الاقتصادية الكويتية أن لا يكون لنا رأي مباشر في برنامج عمل الحكومة الجديدة إلا بعد فترة وجيزة من دور الانعقاد الحالي للنظر في سلوك النواب تجاه تعاطي الحكومة للقوانين المهمة وكذلك أولوية الحكومة من برنامج عملها. رأينا سابقاً في الجمعية الاقتصادية الكويتية بأن برنامج عمل الحكومة السابق للسنوات من 2022-2026 لم يكن إلا تكملة للمسيرة السابقة في التذبذب الحكومي، إلا أننا نرى بأن برنامج عمل الحكومة الجديدة هو خطوة للأمام مقارنة بالسنوات السابقة وشامل للأولويات النيابية والشعبية ويعكس حلولاً زمنية للقضايا التي تهم الشارع الكويتي، وقد وجدنا أهدافاً استثمارية وإن كانت غير محددة تفاصيلها والمدد الزمنية للتنفيذ والكلفة ومردودها على الدولة مالياً وعلى المجتمع وفئاته، إلا أنها أفكار خارج صندوق التذبذب الحكومي السابق.

ولكن ما شعرنا به هو أن الحكومة لم تدرج أولوياتها بشكل واضح في برنامج عمل الحكومة وكأنها تركت قائمة البرامج في يد النواب وهذا المخيف! مجموعة كبيرة من النواب لا يعي خطورة رسم مستقبل البلد إذا وضع استحقاق حقيقي أمامه وفي الكفة الأخرى استحقاق شخصي لفئة أو أفراد. والواضح بأن هناك حالة من اللامبالاة تسيطر على المشهد الاقتصادي وتدخله في دهاليز السياسة وهذا ما نشهده من سلوك أغلب النواب، لذلك ليس غريبا أن يصب الرأي العام غضبه على الحكومة ونواب المجلس من جراء التأخر وعدم الاكتراث في تطبيق تغييرات هيكلية اقتصادية.

برنامج عمل الحكومة الأخير قلت عليه الصفة السياسية وهذا أمر محمود – بعكس ما يراه النواب – لأن برنامج عمل الفصل التشريعي 16 لسنة 2021-2022 كان يحمل طابعاً هلامياً لا يخلو من الكلام الموزون من غير رؤية واضحة في تحقيق أهدافها وغلب عليها الصبغة السياسية، وهذا يعكس التخوف السابق للجمعية من خلو رؤية إصلاحية واضحة وعدم وجود الإرادة الصادقة في حل المشكلات، وهذا ما استحسنا رؤيته في البرنامج الأخير.
استمراراً للكلام الإنشائي الذي يصدر من مجلس الوزراء هو أمر لا بد منه في العقلية الحكومية المتجذرة لذلك كان الأجدى أن يكون البرنامج يفترض أن يعيد في البداية صياغة رؤية الكويت 2035، لتتواكب مع متغيرات ومستجدات طرأت على الساحتين المحلية والإقليمية. المقلق بالنسبة لنا هو التفات الحكومة عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي حل بها عملية إبادة جماعية بمباركة حكومية سابقة. لذا لن يتغير الواقع المؤلم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ما لم يتغير النهج الاقتصادي المتبع في الدولة ولن تخرج المشاريع من القطاع الاستهلاكي إلى القيمة المضافة ما لم يتم توفير البيئة المناسبة لذلك فالتحديات التي تواجه المشاريع الصغيرة ليست حكراً عليه بل هي تحديات القطاع الخاص بأكمله.
وبرغم أن بنود الضريبة والدَّين العام ورفع الدعم عن بعض الخدمات وتقليلها أتت بشكل رئيسي في كل برنامج عمل للحكومة على عكس البرنامج السابق، حيث حضرت على استحياء وتلونت بين السطور بجمل مطاطية على وزن “مراجعة الخدمات العامة” و ” وتحسين قدرات إدارة الضرائب” وكذلك “العمل على تنفيذ استراتيجية التخصيص” حتى تكون اعتباراتها السياسية أقل كلفة على أعضاء مجلس الأمة. إلا أننا لازلنا متمسكين ومؤمنين وقانعين بأن أي إصلاح يبدأ بمس جيب المواطن هو إصلاح ساقط شعبياً قبل أن يسقط سياسياً، وإيماننا راسخ على أن سلم الإصلاح الاقتصادي يبدأ بتهذيب السلوك الحكومي بالهدر الصارخ في الميزانية والمصروفات الغير حصيفة من أمثال (الرواتب الاستثنائية وبيع الإجازات وغيرها..).
مما استحسناه في برنامج العمل هو ذكر مشاريع مهمة عكفت الجمعية سابقاً على ذكرها مراراً وتكراراً ونجدها دخلت ضمن برنامج العمل مثل (هيئة العقار، ملف أملاك الدولة، صندوق سيادة وغيرها)، ولكننا كنا نأمل أن تكون هذه الملفات الحساسة ضمن برنامج زمني ورأي فني واقعي واضح حتى لا يكون مجال للتأويل كمشروع المدينة الترفيهية الذي ركز واسترسل في جميع الجوانب المهمة المعنية في المشروع فنياً وزمنياً وغيرها. وما وجدناه من الأمور الأساسية في وجودها في كل برنامج وعمل ومهملة لعدم جدية العمل بها هي نقطة تنويع مصادر الدخل الذي كنا نعتقد أن يكون هو جوهر برنامج العمل لإيماننا الراسخ أن بداية العمل الإصلاحي الاقتصادي ينطلق من محطة تنويع مصادر الدخل.
ونلاحظ بأن تحت جزئية “القضاء على الفساد” لم يتم تحديد ما الآلية المتبعة ومتى يجد رموز الفساد عقابهم؟ وهذا ما أوصل الكويت إلى أن يتصدر اسمها صحف عالمية بفضائح وجرائم مالية دولية تنعكس سلباً على مركزها المالي وعلى سمعتها أدت إلى إعلان بعض مؤسسات التصنيف الائتمانية مراجعة تصنيفاتها لبعض المؤسسات المصرفية والمالية في المنطقة لارتباطها بالمال الأسود، وهذه نقطة مهمة جداً لنا في الجمعية الاقتصادية الكويتية نحذر ونشدد ونكرر عليها في بياناتنا ومنشوراتنا.
وختاماً لا يخفى على أحد أهمية الإصلاحات السياسية الغائبة عن برنامج عمل الحكومة والحاضرة في ذهن مجلس الوزراء، إن تطور العمل الديمقراطي يكون بتغيير المناخ السياسي وخلق أرضية خصبة للتهاون في جو ديمقراطي جامد لم يتغير إلا لمزيد من تضييق الحريات وخصوصاً ما عكف عليه مجلس الأمة في 10 سنوات ماضية.
إيماننا الراسخ بأن بوابة الإصلاح هو الإصلاح المؤسسي وأهمها وأحد أركانها هي التطور السياسي بتشريعات تطور عملية القرار السياسي بعيداً عن المحاصصة والجو السلبي الذي عشناه طويلاً.
منذ ديسمبر 2020، عكفت الجمعية الاقتصادية على تقديم أربع مبادرات رئيسية إلى الجهاز الحكومي، الأولى تعنى بدعم قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر إنشاء صندوق وطني يقدم منح تحفيزية للمسجلين على الباب الخامس في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عُرف بـ”صندوق إنعاش” وتلتها ورقة أولويات الإصلاح الشامل في الاقتصاد الكويتي المعدة بالتعاون مع مجموعة من الخبراء الاقتصاديين والأكاديميين، بالإضافة إلى تقديم الجمعية توصياتها في ما يخص مشروع قانون دعم وضمان تمويل البنوك المحلية للعملاء المتضررين من تداعيات أزمة كورونا، بالتعاون مع مجموعه من المبادرين المتضررين و رواد الأعمال ووزراء ومسؤولين حكوميين وكذلك مبادرة تحرير الأراضي الصناعية والتجارية والتي تبناها مجموعة من نواب مجلس الأمة. ومنذ أكثر من خمس سنوات حذرت الجمعية الاقتصادية الكويتية مما نعيش فيه من اختلالات هيكلية لاقتصادنا وعدم استدامة نموذج التنمية الاقتصادية المبني على قيادة القطاع العام.

لذلك نحن في الجمعية الاقتصادية الكويتية نركز على أن أولى مراحل الإصلاح الشامل هي وجود إرادة سياسية جادة تعزز ثقة الشعب في الحكومة ومن ثم تهيئة المجتمع لأي إجراء إصلاحي في المستقبل كما فصّلنا في “أولويات الإصلاح الشامل في الاقتصاد الكويتي”، وأن يرتكز الإصلاح اليوم على أمر واحد أساسي وهو الإصلاح المؤسسي كي تتمكن الحكومة من الوصول إلى الإصلاحات الأخرى. ونؤكد على أن أي إصلاح يبدأ من مس جيب المواطن هو إصلاح ساقط اقتصاديا قبل أن يسقط شعبياً. فالهدر المالي في الميزانية من الواجب ضبطه قبل التفكير بفرض ضرائب، ومحاربة الفساد وتقليل التكلفة الباهظة والمصاحبة له كذلك على رأس سلم الأولويات.
كما أنه من الضروري دراسة الآثار الاقتصادية المترتبة على أي قرار قبل اتخاذه، وإلا أننا تفاجأنا بعد جائحة كورونا كما تفاجئ الجميع بإجراءات حكومية أبعد ما تكون عن الواقع وهو ما تجلى واضحاً من عجز الحكومة آنذاك على التقدم بمشروع واحد لانتشال البلد من حالة المرض السريري الذي أصابه، إذ أنها دلائل على أن السلطة التنفيذية تغرد خارج السرب في مشهد محزن لعجزها عن اتخاذ القرار، ونتمنى أن ينعكس استحسان الشارع من برنامج العمل على تغيير هذه الصورة النمطية في الحكومة وسلوكها السابق.
إننا نقف على خط سواء مع إخواننا في جهات المجتمع المدني الحيّة في ريبة مترقبين أمام هذا السلوك الحكومي النيابي الجديد، مع التأكيد على أننا كمؤسسة مجتمع مدني منتخبة تهدف إلى المساهمة الفاعلة ونشر الوعي وتقديم مبادرات بغرض خدمة الصالح العام ولا مصلحة لنا سوى الارتقاء بتنافسية وشفافية الاقتصاد الكويت وأن نساهم ولو بشيء بسيط بتطوير بيئة الأعمال والارتقاء بتنافسية وشفافية الاقتصاد الكويتي.
ختاماً تذكروا بأن إنجاز صغير على الجبهة الاقتصادية هو خير ألف مرة من كلام سياسي كبير لا يطعم ولا يغني من جوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى