الغلاء بلاء ..ووباء وعلينا مسؤولية ضخمة لتحقيق الاكتفاء
وجهة نظر يكتبها صالح ناصر الصالح
إن ما تشهده الأسواق هذه الأونة من غلاء في الأسعار اصاب معظم السلع سيما الرئيسية منها والتي تلتهم جيوب محدودي الدخل حيث بدأت جيوب الموظفين وأصحاب الدخول المحدودة تفرغ في منتصف الشهر ويظل رب الأسرة يعاني إلي نهاية الشهر ، هذا في بلادنا غما بالكم في البلدان التي تشهد ارتفاعات متتالية ومتلاحقة أدت بالمجتمعات إلي الهلوسة والخلافات والنزاعات ولذا وجب علينا أن نتوقف أمام تلك المخططات الغربية التي تسعي إلي تجويع الشعوب العربية والمسلمة وأهلاك أعدائها للحفاظ على اقتصادها وحدها فقط
ومن وجهة أن نظري أن الهلاك سيأتي بسبب الأزمات العالمية والحروب المفتعلة والتي نشبت بفعل أصحاب المصالح والقرارات ومن يسعون لحماية اقتصادهم على حساب موت الشعوب دون اكتراث ،وهنا وجب علينا توفير قوت يومنا وغذائنا من أرضنا حتي لا تصيبنا أزمات غيرنا ولاشك أم الخطط والتنفيذ لها للحفاظ على الغذاء وتنميته من الزراعة والإنتاج سيضعنا على أرض الثبات والنبات وهذا واقع يجب تفهمه
وقد كان غلاء الأسعار في تاريخ هذه الأمة حاصلاً في بعض مراحلها، فقد حكى صاحب “النجوم الزاهرة” في أواخر عهد بني العباس عظم الغلاء ببغداد في شعبان، حتى أكلوا الجيف والروث، وماتوا على الطرق، وأكلت الكلاب، وبيع العقار بالرغفان -أرغفة الخبز-، وهرب الناس إلى بلدان أخرى، فماتوا في الطريق. وضرب الغلاء أيضاً في القرن الخامس بعض بلدان المسلمين كمصر، وحصل بذلك هلاك كثير، وأُكلت الدواب التي لا تؤكل، وكانت الأقوات في غاية القلة والغلاء، ومات كثير من الناس حتى مات في شهر صفر وحده مائة وثلاثون ألفاً.
وهكذا من المصائب التي تبتلى بها هذه الأمة، وهي أمة مرحومة، جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وفتنة كما أخبر النبي ﷺ. وبالعودة للنظر إلى الواقع الإسلامي لحال التجار في عهد السلف، تبيّن لنا كيف ينبغي أن يكون موقف التاجر المسلم في مثل هذه الأحوال. إن محبّة الخير للمسلمين أمرٌ أساس، وقد كان الواحد يحذر أن يزداد ربحه على حساب معاناة الآخرين، والتاجر المسلم يتحلّى بحسن النية، والرفق بالمسلمين، وتوفير الجيد لهم بالثمن المناسب لهم، وأن يكون أميناً. وقد خرج النبي ﷺ إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: يا معشر التجار. فاستجابوا لرسول الله ﷺ، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه. فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً، إلا من اتقى الله وبر وصدق وللحديث شاهد يرتقي به إلى درجة الحسن إن شاء الله ولفظه: إن التجار هم الفجار. قالوا: يا رسول الله، أليس قد أحل الله البيع؟ قال: بلى، ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون . إنهم يجتنبون أكل أموال الناس بالباطل، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
وفي حالات ارتفاع أسعار الغلاء لا بد أيضاً للمستهلكين والمشترين من توجيهات:
– فمن ذلك عدم التوسع في الشراء، وجعله هوايةً كما هو عند الغرب؛ بعض الغربيين يجعلون من هواياتهم التسوّق، النزول إلى الأسواق، الطواف بالأسواق. الشراء صارت لذة وشهوة نفس، ليست بحسب الحاجة، لكن شهوة ولذة وهواية. فنقول: هذا المال محاسب عليه الإنسان، فيم اكتسبه، وفيم أنفقه؟، فلا تجعلنّ الأمر الذي عليه مناط حسابك يوم الدين شهوة نفس، والمهم أن تشتري بغض النظر عما تنفق.
وليس المسلم الحكيم بالذي يرهق نفسه بكثرة الشراء، ويهدر الأوقات والأموال والأعمار، وفي كثير من الأحيان يكون مصير شراء ما لا حاجة له من الأطعمة براميل القمامة. وقد قال تعالى: وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُواسورة الأعراف: 31. وقال: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَسورة الأنعام:141. قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: فالذين يقتصدون في المآكل نعميهم بها أكثر من المسرفين فيها، فإن أولئك إذا أدمنوها وألفوها لا يبقى لها عندهم كبير لذة، مع أنهم قد لا يصبرون عنها، وتكثر أمراضهم بسببها. مرّ جابر بن عبد الله ومعه لحم على عمر -رضي الله عنهما- فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: هذا لحمٌ اشتهيته فاشتريته. قال: أو كلما اشتهيت شيئاً اشتريته، أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَاسورة الأحقاف:20 ولا بد من تربية الأولاد على هذا المبدأ لتكون الأسرة متحدة في هذه السياسة في الشراء.
وفي الختام أرجو من اصحاب القرار التوقف والتخطيط لتنفيذ قرارات سريعة رأسها تأمين سلة الغذاء