رحم الله أبو السخاء والعطاء سمو الشيخ سالم العلي عميد الأسرة الحاكمة
مسيرته حافة بالإسهامات المجتمعية والعسكرية

– غلوبل : محمد المملوك
فقدت الكويت، اول أمس الإثنين، عميد أسرة آل الصباح الكرام، سمو الشيخ سالم العلي السالم الصباح، رئيس الحرس الوطني،ليرحل عن عمر ناهز 98 عامًا بعد حياة طويلة مليئة بالعطاء وخدمة الوطن، عزز خلالها أمن الكويت ووحدتها وتلاحم أبنائها.
شغل فقيد الكويت طوال مسيرته الحافلة،عددًا من المناصب الرسمية والفخرية، وكانت له إسهامات بارزة في العديد من الأعمال الخيرية والمشاريع المجتمعية داخل الكويت وخارجها.
وُلد الشيخ سالم العلي في عام 1926م بفريج الشيوخ في منطقة الوسط بمدينة الكويت، وبدأ تعليمه وفق التقاليد السائدة حينها، ثم التحق بالمدرسة المباركية، أول مدرسة نظامية في الكويت، واستمر في تعليمه بالمدرسة الأحمدية.
مع بداية عصر النفط في الخمسينيات، التحق بسلك الخدمة العامة وترأس العديد من المشاريع التنموية التي ساهمت في بناء الكويت الحديثة، وفي منتصف الخمسينيات تولى منصب نائب الرئيس للشيخ فهد السالم المبارك الصباح في دائرة البلدية والأشغال.
في عام 1959م، تولى رئاسة مجلس الإنشاء، حيث قام بتخطيط وتنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية التي أسهمت في نهضة الكويت، كما تولى رئاسة دائرة الأشغال، التي كانت مسؤولة عن تنفيذ العديد من مشاريع البناء والتطوير.
وفي أوائل الستينيات، تولى رئاسة المجلس البلدي، وهو المنصب الذي كان مخصصًا لأفراد الأسرة الحاكمة، حيث كان مسؤولًا عن تنظيم العمران والمحافظة على الصحة العامة والنظافة.
بعد استقلال الكويت في عام 1961م، شارك في إعداد الدستور كعضو في المجلس التأسيسي، وتولى منصب وزير الأشغال في أول حكومة كويتية بعد الاستقلال، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1964م، كما أصبح أول رئيس فخري لجمعية المهندسين الكويتية في عام 1963م.
وفي عام 1967م، تولى الشيخ سالم العلي رئاسة الحرس الوطني، وأسهم في تأسيس هذا الكيان الوطني الحيوي الذي يؤدي دورًا مهمًا في تعزيز الأمن والاستقرار في البلاد.
إلى جانب رئاسته للحرس الوطني، شغل الراحل عددًا من المناصب الأمنية والعسكرية، منها عضوية مجلس الدفاع الأعلى منذ عام 1969م، وعضوية مجلس الأمن الوطني منذ عام 2005م.
تقديرًا لإسهاماته الكبيرة في خدمة الكويت، منحه سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح لقب «سمو» في ديسمبر 2004م.
عُرف الشيخ سالم العلي بمساهماته المجتمعية والخيرية، حيث تبرع بمبلغ 100 مليون دينار للكويتيين المحتاجين وذوي الشهداء في عام 2007م، وأسس جائزة «مسابقة سمو الشيخ سالم العلي للمعلوماتية» في عام 2000م، التي تهدف إلى نشر الوعي الإلكتروني وتشجيع المواهب في مجال تقنية المعلومات.
أرسى سموه قواعد الحرس الوطني، حيث كرّس كل خبراته واجتهاداته في إنشاء الحرس، وصنع رجالاً قادرين على مواجهة الأخطار خاضوا تجارب ومحناً، وأثبتوا جدارتهم وتفوقهم في يوم الثاني من أغسطس عام 1990 بوقف تقدم الغزاة إلى قلب العاصمة الكويت، حيث قامت قوات الحرس الوطني بالدفاع عن الوطن ببسالة رغم قوة وتسليح القوات الغازية بالسلاح الثقيل.
وفي مسار مواز لبنائه للحرس الوطني، كان سموه يبني ويشيد في مجال آخر، وهو رعاية الفقراء والمعوزين من خلال أعماله الخيرية التي أدخلت البهجة والفرح والسرور على آلاف الأسر التي كانت تلهج بالدعاء له مع كل كربة يفرجها عليهم.
ولم يكن سموه مجرد علم بارز من اعلام الكويت وأحد كبار مسؤوليها المخلصين، بل ان حياته امتزجت بتاريخ الكويت فأصبح يشكل جزءاً رئيساً من هذا التاريخ، الأمر الذي يجعل كل باحث مدقق يتوقف عند كل مراحل حياته المليئة بالعطاء كي يستطيع فهم تاريخ الكويت.
فقد قامت سياسة وفلسفة سموه حول بناء الانسان الكويتي، فهو الهدف الأسمى في مسيرة الخير التي لا تنضب لدى سموه من خلال المشاريع الخيرية الكثيرة التي أنشأها سموه، والتبرعات للكويتيين المحتاجين وذوي الشهداء، وأسر شهداء المعارك والحروب. وساهم في تخصيص جوائز تشجيعية لعدد من المناسبات الاجتماعية والدورات الرياضية وغيرها من المشاريع الاجتماعية.
ومن منطلق رد الفضل لأهله، دعا سموه في مناسبات عدة إلى تخليد أبناء الكويت الذين ضحوا بأنفسهم على مدى التاريخ، لما قاموا به من دور عظيم في الحفاظ على وطنهم وكرامته وبذلهم الغالي والنفيس في سبيل استقلاله واستقراره.
وتشجيعا للشباب على شغل أوقات فراغهم، رعى المغفور له بإذن الله تعالى سمو الشيخ سالم العلي «مسابقة سمو الشيخ سالم العلي السنوية للمعلوماتية» التي انطلقت العام 2000، وهي من الأنشطة والمسابقات المميزة داخل الكويت، ولها صدى إيجابي في أوساط الشباب، حيث تهدف إلى نشر الوعي الإلكتروني من خلال تشجيع المواطنين والمقيمين على تصميم وإنشاء المواقع الالكترونية، تمهيداً لاختيار أفضلها للفوز بالجائزة، وقد كرّم سموه الفائزين بهذه المسابقة في مرات عديدة، مؤكداً حرصه الشديد على تشجيع المبدعين من أجل خدمة الكويت، كما عمل على زيادة المخصصات المالية لجوائزها.
وكان لسمو الشيخ سالم العلي مشاركات في أعمال خيرية عديدة، فقد قام بدور بارز في تأسيس «مبرة آل الصباح» العام 1988 التي كان من اهدافها رعاية عائلات شهداء الكويت، وكذلك رعاية المصابين. كما قام بمشاريع خيرية على نفقته الخاصة سواء داخل الكويت أو خارجها، وقد تعددت تلك المشاريع في مجالات الخير والبرّ كالمساجد والمكتبات والمستشفيات والمرافق الاجتماعية والثقافية والتربوية.
ومن مشاريعه الخيرية، بناء وتعمير عدد من المساجد في مناطق مختلفة في الكويت، ومستشفى الشيخ سالم العلي لعلاج النطق والسمع في منطقة الصباح الصحية، وبناء ديوان وصالات اجتماعية متعددة الأغراض للمناسبات، ومكتبة متخصصة في قاعدة الشيخ علي السالم الجوية بوزارة الدفاع، ومكتبة الشيخ سالم العلي في المقر الرئيسي للهيئة الخيرية الاسلامية العالمية، والمساهمة في اقامة مستشفى الرعاية الصحية – الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية.
وكعادته الخيرية، التي تأتي امتداداً لثقافة الخير والعطاء التي تربى عليها ابناء الشعب الكويتي، تبرع سمو الشيخ سالم العلي من ماله الخاص بـ 40 مليون دينار لصندوق الأسرة الحاكمة والشهداء، وجاء هذا التبرع السخي الكريم على شكل 30 مليون دينار لصندوق الاسرة، و10 ملايين دينار لصندوق شهداء الحروب في الكويت. كما تبرع بمبلغ 100 مليون دينار للفقراء والمحتاجين من الكويتيين وذوي الشهداء، و10 ملايين دينار لأسر شهداء المعارك والحروب. كما تبرع بمنحة 500 دينار لكل متقاعد يقل راتبه عن ألف دينار، حيث تراوح إجمالي مبلغ المنحة ما بين 45 و70 مليون دينار.
كما تبرع سموه بمبلغ 60 مليون دينار، مشاركة في النهوض بالمستوى الاجتماعي لأبناء الكويت، وحرصاً من سموه على تحقيق قدر عال من التنمية البشرية، حيث تم توزيع المبلغ الكلي وقدره 60 مليون دينار على ثلاثة أوجه، بحيث خصص 20 مليون دينار لمن حصلوا على درجة الدكتوراه من خلال بعثات جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، بواقع 20 ألف دينار لكل من حصل على هذه الدرجة، وتم تعيينه كعضو هيئة تدريس بعد نشر هذا الاعلان عن التبرع. وخصص 20 مليون دينار لتشجيع كل كويتي يتزوج من مواطنة كويتية، بواقع ستة آلاف دينار لكل زوجين، و20 مليوناً لدعم المطالبين بمديونيات بواقع أربعة آلاف دينار لكل مدين لمساعدته على خفض جزء من المديونية.
رحم الله سمو الشيخ سالم العلي، وأسكنه فسيح جناته.