يعود غريباً .. والتوسع العالمي للتمويل
بقلم دكتور محمد جميل الشيشيري
سيعود غريباً
الحديث الشريف “بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء” يعني أن الإسلام في بداياته كان غريباً بين الناس، وسيعود غريباً في المستقبل عندما يصبح الالتزام بتعاليمه نادراً. ولكنه يبارك “الغرباء” الذين يثبتون على دينهم رغم هذه الغربة. لا أدري لماذا تذكرت هذا الحديث الشريف بعد أن شاركت في هذه المحاضرة التي تمثل اجتهاداً، “وللمجتهد أجران: أجر إذا أصاب، وأجر إذا أخطأ”. كانت المحاضرة تركز على كتاب صادر للدكتور بدر الدين إبراهيم، ولم نتمكن من الوصول إليه، فطلبنا من الدكتور توفيره ومدّنا بآليات الحصول عليه. وقد كانت الاستجابة سريعة، حيث صدر الكتاب منذ شهر تحت عنوان Conventional Route to Interest-Free Microfinance: A New Global Paradigm عن دار النشر الأكاديمية EAMBERT. يتناول الكتاب تسهيل التوسع العالمي للتمويل الأصغر من خلال نموذج أعمال عالمي غير ديني للتمويل الأصغر. ويخلص إلى أن البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية، رغم اختلاف فلسفاتهما، لا يظهر هذا الاختلاف بالضرورة في الممارسات بين البنوك الخالية من الفوائد والبنوك التقليدية. كما أن الصيغ الاستثمارية المستخدمة في الممارسات التجارية التقليدية وأنظمة التمويل الخالي من الفوائد متشابهة.
علاوة على ذلك، من خلال استخدام صيغ تجارية تقليدية مُعدلة وفقًا لمبادئ التمويل الإسلامي وتطبيق هذه الأساليب في إفريقيا، يوصي الكتاب بأن مزودي التمويل الأصغر التقليديين قد أدخلوا بالفعل صيغ تقاسم الأرباح، والإيجار، والمبيعات، والإقراض المستقبلي بجانب الفائدة، لأسباب عملية، بغض النظر عن الاعتبارات الدينية ودون تغييرات في الأطر التنظيمية. بالإضافة إلى ذلك، يتصور الكتاب دمج نموذج التمويل الأصغر العالمي الخالي من الفوائد المقترح لدعم التمويل الأصغر كاستراتيجية مستدامة من خلال برامج التخفيف الاجتماعي لصندوق النقد الدولي/البنك الدولي، ومجموعة التشاور لمساعدة الفقراء في البنك الدولي.
كان المؤسسون الأوائل للبنوك الإسلامية أكثر وعياً، فلم يضعوا “إسلامي” في أسماء البنوك، مثل بيت التمويل الكويتي، وبنك بوبيان، والبنك الدولي، وبنك وربة. بينما اختارت بعض البنوك إضافة كلمة “إسلامي” في أسمائها، مثل بنك فيصل الإسلامي المنتشر في العديد من الدول الإسلامية، وهو ما حال دون دخوله إلى السوق السعودي رغم أن مؤسس تلك البنوك هو الأمير محمد الفيصل.
تتحدث هذه المحاضرة عن التمويل الإسلامي الخالي من الفائدة وكأن الفائدة هي العنصر الوحيد للتمويل الإسلامي، مما يقربه من التمويل التقليدي. وعلى الرغم من أن هذا الخطاب موجه إلى الغرب، فإنني أرى أن هذا قد يكون اجتهاداً. ولكن اجتهاد بنك الكويت المركزي، الذي أقام مؤتمراً عالمياً بحضور الغرب وكبار المصرفيين العالميين ورئيسة صندوق النقد الدولي، أظهر الجوانب الإيجابية في التمويل الإسلامي. وقد قدم الدكتور محمد الهاشل وعدد من الخبراء المصرفيين معلومات عن إمكانيات التمويل الإسلامي، وبدأ الصندوق الاهتمام به.
إن التوعية والإعلان أمران حيويان لإقناع الغرب بصلاحية وكفاءة التمويل الإسلامي، وإمكانياته الواسعة في تقديم حلول لما يعانيه النظام الرأسمالي القائم على الفائدة، والتأكيد على أهمية المشاركة وفقاً للتمويل الإسلامي. علينا أن نستمر في هذا الطريق لإقناع السلطات النقدية المحلية والدولية بالإمكانات الواعدة للتمويل الإسلامي، الذي يرى الدكتور بدر أننا لم نستغل سوى 20% من إمكانياته.
أرجو أن تستمعوا لهذه المحاضرة بعناية، ولي مداخلة في آخر الفيديو المنشور على يوتيوب ضمن منصة الاقتصاد الإسلامي تحت عنوان “الطريق التقليدي للتمويل الأصغر الخالي من الفائدة”. وأتمنى أن يوفر لنا الدكتور أسامة العاني، مؤسس منصة الاقتصاد الإسلامي، هذا الكتاب وأن يتيح لنا مزيداً من الوقت لمناقشة هذا الموضوع بعد قراءة الكتاب والاجتهاد.
ولا ننسى في الختام أن نشكر الدكتور أسامة على اختياره لهذه الموضوعات الهامة التي تثير الفكر وتدعونا إلى مزيد من الإبداع والتطوير الجماعي.