هل نترك الفتيات بدون زواج بعد بلوغها ال 30 عام ؟؟؟
وجهة نظر يكتبها صالح ناصر الصالح
تحتاج المرأة للرجل أكثر مما يحتاج أليها وذلك بحكم تكوينها وطبيعتها فهي دائما بحاجة لمن يساندها ويهتم بها ويعتني لطلباتها ورغباتها واحتياجاتها لأنها منذ القدم وهي ترتبط بنصفها الأخر ( الرجل) وأعني هنا الزوج الذي نشأ من أجلها ومما لاشك فيه أن الزواج احتياج فطري أساسي للبشر منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، فعندما خُلقت حواء وجدت آدم في انتظارها، ليعمرا الأرض ويستعمراها، فكانت الوظيفة الأساسية والحصرية في بدء الخليقة للنساء هي التكاثر. وليس في هذا عيب أو تقليل من شأنها؛ فهي إنسان كامل متكامل.
تطورت الحياة البشرية عبر العصور تطورًا مذهلًا، حتى وصلت للحال الذي هي عليه اليوم؛ فمثلًا كانت المرأة في أثينا القديمة لا تُعامل على أنها إنسان كامل الأهلية، ولكن لا بد لها من ولي ذكر يزوجها (ويدفع مهرها للزوج المستقبلي أيضًا ليرضى بها، وكلما استطاع تجهيز مهر جيد استطاع الحصول على زوج أرقى. وكان الزواج بين الشاب وولي المرأة هو الطريق الرسمي لإنجاب أطفال معترف بهم يرثون مجد العائلة¹.
يمكننا تلخيص الزواج للمرأة في إطارين؛ إطار اجتماعي وإطار مادي؛ فمفهوم المكانة الاجتماعية للأم في المجتمعات التقليدية، كان في الإنجاب، وخاصة الذكور، لتقوى شوكتها، وتزيد تلك السطوة لكثرة عددهم. وكانت قلة من النساء في ما مضى يعملن بالقدر الكافي كما يفعل الرجال، أو كن “يتكسبن” في صورة العمل داخل المنزل خاصة حرف، كالغزل والنسيج وخياطة الملابس، وأيضًا لم تكن بالقوة الكافية لدفع الضرر عن نفسها، فبات الزواج ضرورة مادية كي لا تترك معوزة ضعيفة هكذا بعد موت ذويها خاصة وإن كانوا فقراء.
ورغم أهمية الزواج المذكورة أعلاه يمكننا أن نسأل: هل كانت “كل” النساء يتزوجن؟ في الحقيقة لا، فلا يمكن تطبيق قاعدة واحدة فقط على كل البشر، فقد روي حديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن رجلًا جاءه بابنته لأنها ترفض الزواج، ودار نقاش بينها وبين النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى قالت له: “لا أتزوج أبدًا”. فلم يقل النبي لأبيها إلا: “لا تنكحوهن إلا بإذنهن”. ولم يجبرها على شيء، ولهذا ما بعده؛ فالزواج قد لا يطيقه بعض الأفراد من البشر، ولم ينكر ذلك النبي هذا الأمر على تلك الفتاة.
قديمًا، لم يكن عدم الزواج شائعًا، ولكنه كان موجودًا، وتقبَّله المجتمع لأنه كان تراحميًا ولم يلفظ تلك النسوة. هناك من لم تتزوج حبًا في العلم،وعاشت حوالي مئة عام، وسمع منها خلق كثير. وكان يعج الاتجاه الصوفي التعبدي بمن انقطعوا للعبادة فقط، خاصة من النساء، مثل السيدة رابعة العدوية.
وفي القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي حتى القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، اشتهرت مدن مثل القاهرة والقدس ودمشق بالربط، وهو بيت يوقف لإيواء النساء سواء كن عازبات أو مطلقات، ولا دخل لهن لإيواء أنفسهن، وكن يعملن في مهن كالنسيج ليتمكن من الصرف على أنفسهن، وكان يقوم على تلك الربط نساء غنيات ويضعن له نظام صارمًا
وحديثًا، كثيرون هم من يروون قصصًا عبر منصة الفيس بوك بشكل تستشعر صدقه عن أخوات جداتهم أو نساء من العائلة (في بدايات القرن العشرين)، ممن لم يتزوجن لأسباب مختلفة، وما جمع تلك النسوة الذكريات التي تركنها في وجدان الأجيال اللاحقة، وهناك أمثلة جيدة لنساء لم تتزوجن وقدمن للمجتمع أنشطة وخدمات لم تنسي وتسجل في محافل التاريخ
واذا تحدثنا عن مكانة المرأة الاجتماعية في عالمنا العربي اليوم، فيمكننا تقسيم المجتمعات العربية المعاصرة لجزئيين رئيسين، جزء يقطن في مدن مليونية، حيث، تقريبًا، لا يعرف الجار جاره. وفي هذه المدن تنتشر الفردية الشديدة قد تشعر المرء بالوحدة، ولكنها تتيح له حرية فردية أكبر. وقسم يسكن في مدن أو ضواحي قليلة العدد نسبيًا، وتنتج تداخلًا اجتماعيًا قويًا فيها، فقد لا يشعر المرء بالوحدة، ولكن هذا يسحب من رصيد الخصوصية الفردية كثيرًا، وتكبل الفرد كثير من الاعتبارات للمجتمع وما يقوله وما شابه.
وللأسف، النساء أكثر هشاشة نفسية في مواجهة ضغوط ثرثرة الأفراد، وقليل منهن من تصمد لما يؤمن به، بأقل قدر من التشويش الذهني والنفسي. وعمومًا كلما زاد دعم وقبول الأسرة الصغيرة للفتاة لما تختار، كلما زادت مناعتها النفسية تجاه ثرثرة المجتمع الأكبر التي تمارس لشغل الوقت لا أكثر. ربما كان وجود المرأة العزباء في المجتمع الأول/ الفردي بطبعه أسهل نسبيًا، كما أن وجود الفتيات المستقلات العازبات زاد في الآونة الأخيرة، فقد كان مقتصرًا، فيما مضى، على الطالبات الجامعيات المغتربات من مدن لا يوجد بها جامعات، ولكن اليوم زاد وجود تلك الفئة شيئًا فشيئًا، حيث أن تشارك الفتيات السكن للعمل أو الدراسة أصبح متكررًا في تلك المدن الضخمة ذات الفرص الكبيرة، وتُحقق المرأة الاستقلال المادي في ظل هذا النظام.
البقاء بلا زواج ربما يكون اختيارًا من الفتاة، أو ربما لم تجد من يملأ عينها، أو تطمئن له لتعطيه قيادة حياتها. هناك أشياء كثيرة لا تحب الفتيات الحديث الصريح والجريء عنها، وكثيرات يدّعين أنهن strong independent woman كميكانزيم دفاعي لأنها لم تجد شخصًا مناسبًا لها، فحرص الفتاة على الزواج رغم تقدم السن لا يجب أن يكون محل انتقاد، مثله مثل السيدة التي تتزوج مرة أخرى بعد الانفصال أو الترمل. فقد تجد المناسب لها في أي وقت وقد لا تجد (وهذا الأكثر شيوعًا للأسف)، أو ربما هي تعبت من الوحدة أو أي شيء آخر. قرار زواجها هو قرار خاص بها ولا يجب أن يكون معيارَ حكم سلبي أو إيجابي على البشر والنساء عمومًا.
هذا ليس تشجيعًا على عدم الزواج، ولكنه دعوة للنظر في الموضوع من زاوية مختلفة؛ فالجميع يعلم أن الزواج شيء مهم، ولكن، لا يحب أن يكون هو الهدف الوحيد الأوحد من الحياة وفقط. يقول مثل مصري قديم: “قعدة الخزانة ولا جوازة الندامة”، للدلالة على أنه لا بدّ أن يتأنى المرء جيدًا في الاختيار، لأن هذا الاختيار لن تكون تبعاته فردية، ولكنها قد تمتد لأطفال أبرياء. وكثيرات لم يحظين بفرصة لاختيار زوج جيد، لأجل كل ذلك، علينا أن لا نزيد الأمر سوء، بأن ندفع الفتاة لاتخاذ قرار لا تريده ولا يناسبها، فقط لترضي الألسنة والمجتمع. كما أن تلك النماذج المختلفة المذكورة تذكرنا أن الحياة ليست لها طريقة واحدة فقط لنعيشها. وبقاء الأثر، وابتغاء وجه الله في كل ما نفعله هو الغاية الأسمى لحياة الإنسان، رجلًا كان أو امرأة.
وفي الختام اري أنه من الضروري حث الفتاة التي تصل إلي عملر ال 30 ولم تتزوج أن تهتم بشخصيتها وأن تضع لنفسها مكانة مجتمعية شريطة أن تلتزم الأخلاق والسمعة الحسنة ومن هذا المنطلق ستصل إلي فرصتها في الزوج الذي يمكن أن يلبي بعض طموحها وليس أكمله ولا يوجد منا كبشر كمال لأن الكمال لله وحده سبحانه وتعالي .. وتبقي القناعة والرضا هما الرباط لقبول النصف الأخر بصفوه وكدره وتلك هي الحياة !!