مقالات

مواجهة الجوع العالمي واستدامة المساعدات الإنسانية

بقلم : د. محمد جميل الشبشيرى

 

في ظل تفاقم أزمة الجوع العالمية وتراجع المساهمات الإنسانية من الدول الغنية، أصبحت الحاجة ماسة إلى البحث عن حلول مبتكرة لتوسيع قاعدة المانحين وضمان استدامة ومرونة المساعدات الإنسانية. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 600 مليون شخص سيواجهون الجوع المزمن بحلول عام 2025 إذا استمرت الأوضاع على حالها، بينما سيظل حوالي 117 مليون شخص دون مساعدة إنسانية بسبب نقص التمويل، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة. هذه الأرقام تعكس حجم التحدي الذي تواجهه المنظمات الدولية، حيث تحتاج الأمم المتحدة وحدها إلى أكثر من 50 مليار دولار سنويًا لتلبية احتياجات الإغاثة الأساسية.

تعد الكويت من أبرز الأمثلة على الدول التي قدمت نموذجًا متميزًا في مجال المساعدات الإنسانية، حيث تجاوزت نسبة مساعداتها النسبة المتفق عليها دوليًا. ففي عام 2015، بلغت نسبة مساعداتها 0.24% من الناتج المحلي الإجمالي، واستمرت في الصعود لتصل إلى أكثر من 1.3% في عام 2023. هذا السخاء يعكس التزام الكويت بدورها الإنساني ويبرز أهمية التعاون بين الدول الغنية والاقتصادات الصاعدة لضمان استدامة المساعدات.

وفي هذا الإطار، يستعرض المقال مجموعة من الحلول المبتكرة لتوسيع قاعدة المانحين، وتطوير آليات تمويل أكثر مرونة واستدامة، وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات الإنسانية المتزايدة.

1. توسيع قاعدة المانحين

أ. إشراك الاقتصادات الصاعدة

الدول ذات الاقتصادات القوية مثل الصين والهند، اللتين تعدان من بين أكبر خمس اقتصادات عالميًا، تساهم بأقل من 1% في المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة. يمكن تحفيز هذه الدول على زيادة مساهماتها من خلال:
• اتفاقيات شراكة إنسانية: تقديم محفزات دبلوماسية واقتصادية للدول التي تزيد مساهماتها.
• تعزيز المسؤولية العالمية: التركيز على الدور العالمي للدول الكبرى في تحقيق الأمن الغذائي.

ب. استهداف القطاع الخاص

يمكن للمنظمات الإنسانية التوجه نحو الشركات الكبرى، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة، لإشراكها في تمويل برامج المساعدات. يمكن تصميم برامج تسويقية توضح العوائد الاجتماعية والسمعة الإيجابية لهذه الشركات عند مساهمتها.

ج. الأفراد والمؤسسات غير الحكومية

يمكن إنشاء آليات تسهيلية لتشجيع الأفراد والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على المساهمة، مثل المنصات الرقمية لجمع التبرعات التي تتيح التبرع بسهولة وشفافية.

2. تطوير آليات التمويل المستدام

أ. فرض رسوم رمزية على الدول الأعضاء

اقترح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في وقت سابق نظامًا يفرض رسومًا رمزية على الدول الأعضاء لتمويل المساعدات الإنسانية، على غرار ميزانية حفظ السلام. هذا النظام سيمنح المنظمات الإنسانية مرونة في الاستجابة السريعة للأزمات.

ب. صناديق استثمار إنسانية

إنشاء صناديق استثمار طويلة الأجل موجهة للأغراض الإنسانية، بحيث تعتمد على عوائد استثمارية مستدامة لدعم الأنشطة الإغاثية.

ج. السندات الإنسانية

إطلاق سندات دولية موجهة لدعم المساعدات الإنسانية، يتم تمويلها من قبل الحكومات والشركات الكبرى والمستثمرين.

3. تعزيز المرونة في استخدام الأموال

أ. تقليل الشروط والقيود على المساعدات

غالبًا ما تفرض الدول المانحة قيودًا على كيفية استخدام الأموال، مما يحد من قدرة المنظمات على الاستجابة الفعالة. يمكن العمل على:
• إقناع الدول المانحة بتخفيف القيود لزيادة فعالية التوزيع.
• توحيد المعايير الدولية للمساعدات لضمان الشفافية والكفاءة.

ب. الاستثمار في التكنولوجيا

يمكن استخدام التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين لتحسين كفاءة توزيع المساعدات وتقليل الهدر والفساد.

4. الاقتصاد الثالث والعمل الخيري

في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، ظهر مفهوم الاقتصاد الثالث كأداة فعّالة في تعزيز العمل الخيري والتنمية المستدامة. يقوم الاقتصاد الثالث على الجمع بين الموارد الحكومية والخاصة لتحقيق الأهداف الإنسانية والاجتماعية.
• الشراكات بين الحكومات والقطاع الخاص: تعزيز التعاون في تمويل المبادرات الإنسانية والمشروعات التنموية.
• المؤسسات غير الربحية: دعم المشاريع التي تركز على التمكين الاقتصادي والاجتماعي للفئات الضعيفة، مما يساهم في تقليل الاعتماد على التمويل التقليدي.
• الابتكار الاجتماعي: تشجيع الحلول الإبداعية التي تجمع بين الاستدامة الاقتصادية والتأثير الإيجابي على المجتمعات المتضررة.

5. التوعية وبناء ثقافة التضامن

أ. حملات إعلامية دولية

إطلاق حملات إعلامية عالمية تركز على أهمية المساهمات الإنسانية، مع إبراز قصص النجاح والتأثير الإيجابي للمساعدات على المجتمعات المتضررة.

ب. التعليم والتثقيف

تعزيز ثقافة التضامن الإنساني في المناهج التعليمية، مما يشجع الأجيال الجديدة على المساهمة في العمل الإنساني.

خاتمة

إن أزمة الجوع العالمية ليست مجرد أزمة إنسانية بل هي اختبار للتضامن العالمي. يعتمد حل هذه الأزمة على تبني حلول مبتكرة ومستدامة، تقوم على توسيع قاعدة المانحين، وتطوير آليات تمويل أكثر مرونة، وتعزيز التعاون بين الدول الغنية والاقتصادات الصاعدة. في هذا الإطار، يمكن للمجتمع الدولي أن يُظهر التزامه الحقيقي بقيم الإنسانية والعدالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى